السبت، 19 أبريل 2014

عَلى مدار العَذراء (3)




                                                              (3)
من وجهَة نَظري لم نتميز نَحنُ أبناء الطّبقَة المُتَوسّطَة أو الطّبقَة البرجوازية كَما كانَ يطلقُ عَليْنا في العُصور الوسْطَى وهي طَبقَة ظَهرتْ في القرن الـ15 والقرن الـ16 عَلى أنقاضِ المجتَمع الإقطاعي بالجاذبيّة والفتنة في صَفحات الرّوايَة وَالأدب رغم كثرة الحديث عنا فيها كَما امتاز بها أبناء الطبقات المُخملية بالغة الثّراء وَأبناء الطّبقاتِ الفقيرة ، ربّما لأنّنا مادّة ليست بهذه الأهميّة التّي تَشدّ انتباهـ القارئ كوننا شَخصيات لانتسم بالرفاهية الجَذابة أو بالتراجيديا المَطلوبَة لحبكة أحداث رواية مشوّقَة أو ربّما لأنّنا شخصيات نَمَطيّة تعيشُ حياة اعتياديّة تبدأ من والد مُجتهد يستيقظ باكراً للذهاب إلى عَمله المحدد بعدد من الساعات ويوقظ أفراد عائلتِه إلى مَهامهِم لينتهي يَومَهم العَملي أو الدّراسي المُرهق باجتماعهم جميعاً عَلى طاولة غداءٍ واحِدة وخُلودهم إلى الرّاحَة والنّوم بعْدَها بساعات في مُنظومَة تَتكرّر بشكل يَومي لايوجَدُ بها مايَدعو للدّهْشَة والإبْداع أمّا الفُقراء الذّينَ يسكُنونَ في الاحياءِ القَذرَة ،ويَفترشونَ الطّرقات بثيابِهم المُتّسخَة وبالكادِ يَجدونَ قوت يومهم يَرون مَثلاً في قطعة لَحم تُقدّم إليهم من أحدِ الفضلاء ذاتَ مرة سَعادَة كَبيرَة مُغايرَة لواقعهم التعيس وفي هذه الصورَة أرَى مُشاهَدة تَستحق التدوين بما تَحملُه من اخْتِلافـ ثَري بكلّ مَضمونه عَن مأساة الفَقر التّي يَعيشونَها دائما فَضلاً عَن أنّ بعض التّقارير والدراسات الحَديثة أثبَتت أنّ الفَقرَ رُغْمَ مَرارته مَصْدَر إلهام وأن معظم الأدباء والشّعراء والمبدعين العرب في مَجالات مختلفة من الطبقة الفقيرة وأن الفقر هو المصدر الاساسي للإلهام ويشكل حافزا لدى المرء للوصول إلى حال أفضل بل أن حالَة الفَقر عُرفت عن العباقرة والفلاسفة والمفكرين عبر العصور إذ كانوا يحظون بحفاوة السلاطين والحكام كأصحاب فكر يشاركون في صناعة القرار.
أما أصحاب الطبقة الثّرية ففي كُل تفاصيلِ حياتِهم المُرفهة مُشاهدات تَستحق التدوين بدءاً من أسلوبِ حياتِهم الباذِخ وانتِقالِهم من وَطنٍ إلى آخر وَمُروراً بابتساماتِهم المُصطَنعَة وفقاً للحظاتِ التّي يَمُرونَ بها والاقنعَة المُختلفَة التّي يحرصونَ عَلى ارتدائها في مُناسباتهم المُختلفة انتهاءً بطريقة إمساكهم كأسَ الشَّراب التّي تتسم بالأناقَة المُلهمَة والمُغريَة للكاتب للدّخولِ في تامّلاتٍ فَلسفيّة أنيقَة.
وَمُنذُ نعومَة اظْفاري وَأنا أنظرُ من نافِذة أيلول إلى واقِعي عَلمتُ أنّني لَم أولدَ وفي فمي ملعَقة من ذَهب كأبْناءِ الأثْرياء وَلم أولَد كَأبناء الفقراء بلا ملعَقة من الأساس الأمْر الذّي اضطرّ بسببهِ آباؤهم الكادحين إلى انتزاع ملعقَة من فَم الفاقَة والقلّة لإطعام افواههِم الجائِعَة واسكاتِ صَرخاتهم المُحتجة بَل ولدت بملعَقة نُحاسٍ اصابَها الصّدأُ قليلاً لكنّها وَفت بالغَرض بفضل من المَولَى ومنّة إلا أنّه وفي ظل طموحاتِ الإنسانِ التّي تأخذُهُ إلى تطلعات عالية لَم تَكن تَكسوها القَناعَة الدّاخليَة في أحيانٍ كَثيرَة رغم اعتبارها من وجهَة نظر الكثير كَنز لايَفْنَى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق